الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

سفر أيوب

بدر شاكر السياب







لك الحمد مهما استطال البلاء

ومهما استبدّ الألم،

لك الحمد، إن الرزايا عطاء

وان المصيبات بعض الكرم.

ألم تُعطني أنت هذا الظلام

وأعطيتني أنت هذا السّحر؟

فهل تشكر الأرض قطر المطر

وتغضب إن لم يجدها الغمام؟

شهور طوال وهذي الجراح

تمزّق جنبي مثل المدى

ولا يهدأ الداء عند الصباح

ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى.

ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:

«لك الحمد، ان الرزايا ندى،

وإنّ الجراح هدايا الحبيب

أضمّ إلى الصّدر باقاتها

هداياك في خافقي لا تغيب،

هداياك مقبولة. هاتها!»

أشد جراحي وأهتف

بالعائدين:

«ألا فانظروا واحسدوني،

فهذى هدايا حبيبي

وإن مسّت النار حرّ الجبين

توهّمتُها قُبلة منك مجبولة من لهيب.

جميل هو السّهدُ أرعى سماك

بعينيّ حتى تغيب النجوم

ويلمس شبّاك داري سناك.

جميل هو الليل: أصداء بوم

وأبواق سيارة من بعيد

وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد

أساطير آبائها للوليد.

وغابات ليل السُّهاد، الغيوم

تحجّبُ وجه السماء

وتجلوه تحت القمر.

وإن صاح أيوب كان النداء:

«لك الحمد يا رامياً بالقدر

ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء!»

*




لندن 26/12/1962




سوف أمضي



بدر شاكر السياب





سوف أمضي أسمع الريح تناديني بعيدًا

في ظلام الغابة اللفّاء .. والدّرب الطويل

يتمطى ضجراً، والذئب يعوي، والأفول

يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك

فاتركيني أقطع الليل وحيدا

سوف أمضي فهي ما زالت هناك

في انتظاري

**

سوف أمضي. لا هدير السيل صخّابا رهيبا

يغرق الوادي، ولا الأشباح تلقيها القبور

في طريقي تسأل الليل إلى أين أسير

كل هذا ليس يثنيني فعودي واتركيني

ودعيني أقطع الليل غريبا

إنها ترنو إلى الأفق الحزين

في انتظاري
**

سوف أمضي حوّلي عينيك لا ترني إليّا

إن سحراً فيهما يأبى على رجلي مسيرا

إن سراً فيهما يستوقف القلب الكسيرا

وارفعي عني ذراعيك ... فما جدوى العناق

إن يكن لا يبعث الأشواق فيّا ؟

اتركيني ها هو الفجر تبدى، ورفاقي

في انتظاري

الجمعة، 15 نوفمبر 2013

شكوى مما أصاب الدين في مصر


الشاعر البدوي الشيخ محمد عبد المطلب رحمه الله 







رُوَيْدَك جَفني كم تفيضُ غُرُوبَا
وحسبُك أوسعتَ الزمانَ نَحِيبَا


ويا أيُّها الباكي وقد ظنَّ أنَّهُ
أسالَ عُيُونًا أو أذابَ قُلُوبَا


بكَيْتَ بِوَادٍ ما به لك راحمٌ
تراه إلى ما ترتجِيهِ مُجيبَا


كأنَّكَ دِينُ اللهِ في مِصرَ باكيًا
وقد صار بين المسلمين غريبا


تضَعْضَعَ أهلُوهُ وصُوِّحَ نَبْتُه
وأمْحَلَ ما قد كان منه خصيبا


ولانَتْ لكفِّ الغامزين قَناتُه
وقد كان ممنوعَ الجَنَابِ مَهِيبا


يرُوعُ نجومَ الليلِ برقُ سيوفِه
صَعِدْنَ طلوعا أو هَوَيْنَ غُروبا


فهل في الليالي أن نرى الدينَ قائمًا
وثوبَ الهُدَى ضافي الذيولِ قَشِيبَا



                من ديوانه صفحة 19 . ألقيت سنة 1900 بمدينة سوهاج بمصر